بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أما بعد : فهذه أقوال واضحة و سديدة في جواز صلاة النافلة الرباعية بتسليمة واحدة , حيث أني قد سئلت عن هذه المسألة من أحد المصلين حين لاحظ صلاتي للنوافل الرباعية عند ما أصليها بتسليمة واحدة . لهذا شرعت في البحث للمسألة و أقوال العلماء فيها و جمعتها و وضعت بعض التوضيحات عليها ليتبين القول جليا .
أسأل الله ينفع بها و الحمد لله رب العلمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل
تمهيد
ورد في فضل النوافل أحاديث عن الرسول صلى الله عليه و سلم منها :
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم » أخرجه الأربعة .
و عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ. أخرجه مسلم .
هل علمتم فضل صلاة النوافل الآن ؟؟ وأجر من أتي بها وفوات الأجر على من ضيعها . أمن الصعب علينا أن نرضي ربنا ورسولنا بهذه الركعات الطيبات ؟ هل استغنينا عن بيت في الجنة يساوي الدنيا وما فيها ؟ فما بالنا نستبدل الثمين بالرخيص ؟ و نسعى لإرضاء أهواء أنفسنا ؟ كلنا يعلم أن الصلاة أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة . فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ... فالنوافل تكون جبرٌ لما يحصل من خلل في الصلاة وتكون أيضاً حمايةً للصلاة من الشيطان . تكون بمثابة السور المنيع . فلا يستطيع الشيطان أن يقترب من صلاتك . فإن لم تكون مواظبا على النوافل . فإن الشيطان عندما يحاول أن يبعدك عن طاعة رب الأرباب فإنه يبدأ بالصلاة أما إذا كنت مواظبا على النوافل فإنه عندما يحاول إبعادك فإنه سيجد هذا السور المنيع فسيحاول أن يهدمه أولاً ... فلا تجعل هذا السور ضعيفاً إنما قويه بالمحافظة على السنن الرواتب , فإن هدم جزءاً بنيت آخر فلا يستطيع بعد ذلك أن يقترب من صلاتك
لكن المؤسف أن هناك من يشكك في كيفية العمل في صلاة النافلة , بل و يمنع الآخرين من الأخذ بأقوال العلماء و يحصر الأمر برأيه فقط , و يرى أنه على الصواب و غيره على الخطأ , و كأنه لم يعلم بأن الأمر فيه السعة . من أجل هذا بحثت عن أقوال الأئمة و الفقهاء في جواز صلاة النافلة على كيفيات ليتحقق الأمر بالوضوح الجلي .
البيان و التوضيح
يَجوز أن تُصلّى النافلة التي قبل الظهر أربعا بتسليمة واحدة ، وكذلك صلاة الليل ، يجوز أن تُصلّى أربع ركعات بتسليمة واحدة ، لِعموم قول عائشة رضي الله عنها في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : يُصَلّي أربعا ، فلا تَسَل عن حسنهن وطولهن ، ثم يُصلي أربعا ، فلا تَسَل عن حسنهن وطولهن ، ثم يُصلي ثلاثا . رواه البخاري و مسلم . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي أربع ركعات بعد الزوال ، لا يُسلِّم إلا في آخرهن ، وقال : إنها تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح . رواه الترمذي بمعناه ، وقال الألباني : إسناده صحيح .
قال ابن قدامة : و الصحيح إنه إنْ تَطوّع في النهار بأربع فلا بأس ، فعل ذلك ابن عمر ، وكان إسحاق يقول : صلاة النهار أَخْتَارُ أربعا . اهـ.
وأما حديث : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى . فهو مُتكلّم فيه ، ولو صح فهو يدلّ على أن الأفضل في صلاة الليل والنهار أن تُصلّى مثنى مثنى ، أي يُصلي المصلِّي ركعتين ركعتين .
قال الحافظ العراقي رحمه الله في طرح التثريب عند شرحه للحديث المتفق عليه: "صلاة الليل مثنى مثنى )) . استدل بمفهومه على أن نوافل النهار لا يسلم فيها من كل ركعتين بل الأفضل أن يصليها أربعا أربعا وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد ورجح ذلك بفعل ابن عمر راوي الحديث فقد صح عنه أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه وعن نافع مولاه وإبراهيم النخعي ويحيى وهو ابن سعيد الأنصاري وحكاه ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه وحكاه ابن عبد البر عن الأوزاعي وذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور إلى أن الأفضل في نوافل النهار أيضا التسليم من كل ركعتين ورواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان وحكاه ابن المنذر عن الليث وحكاه ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وداود والمعروف عن أبي يوسف ومحمد في نوافل النهار ترجيح أربع على ركعتين
وذكر ابن عبد البر عن مضر بن محمد قال سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن وصلاة الليل ركعتين فقلت له إن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث ؟ فقلت بحديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } فقال ومن علي الأسدي حتى أقبل منه هذا ، ، أدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وآخذ بحديث علي الأزدي ، ، لو كان حديث علي الأزدي صحيحا لم يخالفه ابن عمر قال وكان شعبة ينفي هذا الحديث وربما لم يرفعه .
قال الحافظ العراقي رحمه الله في طرح التثريب أيضا : وإذا قلنا بأن صلاة النهار أيضا مثنى فليس المراد بذلك أنه يتعين كونها مثنى بل الأفضل فيها ذلك وله أن يجمع بين ركعات بتسليمة واحدة وقد صرح بذلك أصحابنا وغيرهم وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن صلاة الليل والنهار في النافلة فقال أما الذي أختار فمثنى مثنى وإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وأرجو أن لا يضيق عليه فذكرت له حديث يعلى بن عطاء عن علي الأزدي فقال لو كان ذلك الحديث يثبت ومع هذا فإن ابن عمر كان يصلي في تطوعه بالنهار قبل الظهر ركعتين وركعتين بعدها فهو أحب إلي وإن صلى أربعا فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي أربعا بالنهار .
وقال ابن قدامة في المغني الصحيح أنه إن تطوع في النهار بأربع فلا بأس فعل ذلك ابن عمر ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا على تفضيلها وأما حديث البارقي فإنه تفرد بزيادة لفظة النهار من بين سائر الرواة وقد رواه عن ابن عمر نحو من خمسة عشر نفسا لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعا فيدل ذلك على ضعف روايته أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره انتهى .
الخلاصة
تكلم العلماء من الفقهاء و المحدثين و شراح الحديث بما يكفي في جواز صلاة النافلة الرباعية بتسليمة واحدة و نحن هنا نضع خلاصة البحث فيما يلي :
1- الأصل في صلاة النافلة أن تصلى ركعتين ركعتين .
2- الأفضل في صلاة النافلة أن تصلى ركعتين ركعتين .
3- يجوز في صلاة النافلة أن تصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة .
4- من العلماء من فضل صلاة النهار الرباعية موصلة بتسليمة .
5- الأمر فيه السعة و الاختيار و الكل صحيح و مقبول .
6- يستحسن لمن قلت همته أن يعمل بقول جواز الوصل ليحافظ على صلاة النافلة كاملة .
7- يجب احترام أقوال و آراء الفقهاء و الأخذ بها و عدم إنكارها .
تلقينا الفقه على شيوخنا و لم نسمع منهم الإنكار في أن تصلى النافلة الرباعية موصولة بتسليمة واحدة , بل علمنا من بعض شيوخنا من يفضل أن تكون صلاة النافلة في النهار موصولة و في الليل مثنى مثنى . و ذلك استنادا لعموم فعل النبي صلى الله عليه و سلم و كما فعل عبدالله بن عمر رضي الله عنه , و لما أقره و عمل به جمع من العلماء الراسخين . و للأسف نسمع من بعض العلماء المتشددين و المارقين في الدين ينكرون على من يصلى النافلة الرباعية بتسليمة واحده . و لا نعلم لما يثبطون عن فعل الخير , هل حرصا منهم على الدين ؟ أم تعنت و نكران و حب المخالفة للجماعة كما هو شعارهم ( خالف تعرف ) .
و الحمد لله رب العالمين و سلام على المرسلين
حرر بتاريخ 18 ذو القعدة 1433 هـ الموافق 4 / 10 / 2012 م
بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل