رسالة إلى المعلمة
الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على معلم البشرية الأكرم ، الذي دل الأمة على الخير وسلك بها الطريق الأقوم .
إلى من أكرمها الله بحمل رسالة التعليم ، إلى الصابرة في ميدان التربية ، إلى من حملت هم تهذيب النشء علماً وعملاً ... أبشرك بقوله r: ( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلّون على معلميّ الناس الخير ) رواه الترمذي .
فيا من جعلك الله مستأمنة على عقول بنات المسلمين وأفكارهن وقلوبهن ، يأتين إليك كل صباح ، تزرعين في نفوسهن القيم والأخلاق الفاضلة ، فإنه لو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع بعلمه وهديه، لكفاه أجر ذلك الطالب عند الله تعالى.
نعلم أن التدريس آخذ من وقتك وجهدك الكثير والكثير ، فإن أخلصت في عملك ورجوت الأجر والثواب فاعلمي أنك في عبادة لها شأن عظيم وأثرها مستمر في الدنيا والآخرة بإذن الله . قال الرسول r ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم .
ولتكن سيرة نبينا محمدr نبراساً لك قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (21) سورة الأحزاب .
ولا تنسي أن التأسي مطلب شرعي ، ومحمدة لصاحبه إذا كان ممن يقتدى به ، وأهلٌ لذلك ، فالمعلمة قدوة في سلوكها ، وخلقها ، وعملها ، لطالباتها خاصة والمجتمع عامة فالحسن عندهن ما فعلت ، والقبيح عندهن ما تركت ، فالتلميذة صورة لمعلمتها تترسم خطاها وتسير على نهجها .
كيف تحافظي على فكر الناشئة
المسئولية عظيمة ، والأمانة الملقاة على عاتقك كبيرة ، فأنت المعلمة التي اختارت عمل الأنبياء والرسل ، وأنت من يقع عليها جزء كبير من عبء تنشئة الأجيال والمحافظة عليها ، فدورك لا يقتصر على تقديم المعارف والعلوم وإنما يتعداها إلى أمور منها :
1- المحافظة على فكر الناشئة و توجيهه الوجهة الصحيحة وذلك بتثبيت العقيدة الصحيحة ، وتحصين الفكر عن كل ما هو دخيل ومخالف لشريعتنا الإسلامية السمحة .
2- تكوين الشخصية الإسلامية السوية التي تعتز بدينها وتتسلح به أمام الأفكار المضللة والأباطيل المزيفة .
من سبل تحقيق النجاح :
1. حسن الخلق يتأكد على كل مسلم ، وهو في حق معلمة الأجيال ومربية النشء أوكد وأوجب قال: r" ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن " حديث صحيح
فالمعلم الحسن الخلق ، لين القول ، يستثمر وقته وجهده بما يعود على النشء بالنفع والفائدة وتنمية العقول ، والتعاون على الخير فطالباتك بحاجة ماسة إلى معلمة لا يضيق صدرها بجهلهن وضعفهن ونقصهن وخطئهن فهن يبحثن عن كنف رحيم يشعرن فيه بالرعاية والبشاشة والقرب والسماحة . ــ يقول ابن جماعة رحمه الله : "وعلى المعلم أن يراقب أحوال الطلبة في آدابهم ، وهديهم وأخلاقهم فمن صدر عنه ما لا يليق ، نهاه عن ذلك سرا ، وكذلك يتعاهد ما يعامل بعضهم بعضا من إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام ، والتعاون على البر والتقوى " قال تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (159) سورة آل عمران . فالعطف والمودة، وعدم الاستعلاء من خُلق الأنبياء الذي امتدحه رسول الله r بقوله : " ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " رواه مسلم .
2. التزود بالعلم الذي يصعد بالهمة ، ويرتفع بالنفس، ويسهّل لك بإذن الله مهمتك.
3. الحرص على تحري الدقة، والتأكد من صحة الطرح قال تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (36) سورة الإسراء.
4. لكي ينتقل علمك إلى طالباتك فينتفعن به ، لابد لك من التنويع والتجديد في عرض مادتك العلمية، وإيصال المعلومة الصحيحة دون الخاطئة ذلك لأن ما تقولينه يؤخذ على وجه التسليم والانقياد من قبل طالباتك وينطبع في عقولهن .
فالمعلمة المخلصة تقرن القول بالعمل ، وتهذب طالباتها وتعدهن ليكن أمهات صالحات ـ بإذن الله ـ يحترمن العلم ويقدرن العلماء فهن غراس اليوم وثمرة المستقبل تنبت في ظل المودة والرحمة و التآلف.
دورك في جمع الكلمة واتحاد الصف :
لك دور فعّال في بناء المجتمع المدرسي ، فإذا اجتهدت في توطيد أواصر المحبة والألفة بينك وبين أفراد هذا المجتمع بالسمع والطاعة ووفق ما يرضي الله ورسوله r فإنك تؤسسين بذلك جيلا مترابطاً يلتف أفراده حول بعضهم البعض ، وحول علمائهم وولاة أمرهم ، محبين لدينهم و وطنهم ومجتمعهم، محافظين على ممتلكاته وخيراته مساهمين في تنميته وتطويره .
وفي ظل ما نمر به من أزمات وما ينتابنا من فتن متلاطمة ، يجب معها:
1. أن تتلاحم قوانا ، ويتوحد صفنا لنكون سدا منيعاً يمنع الأفكار الدخيلة .
2. الصبر والدعاء والثبات فذلك دأب المؤمن الحق .
3 . أن نتحرى الأدب في نقل الخبر وإشاعته قال تعالى : { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } (83) سورة النساء. قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي _رحمه الله _ في تفسير هذه الآية : " ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، أهل الرأي والعلم ، والنصح والعقل ، والرزانة الذين يعرفون الأمور ، ويعرفون المصالح وضدها" . وقال رحمه الله : " وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها ، والأمر بالـتأمل قبل الكلام والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه ؟ " .
وقبل الختام لا ننسى أن نذكرك أختي المعلمة .. أنت أم قبل أن تكوني معلمة ، فكيف تريدين أن تكون ابنتك ؟ فالذي تريدينه كأم يطلب منك كمعلمة .
نسأل الله القدير أن يوزعنا شكر نعمته وأن يوفقنا لأداء حقه وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم وأن يبارك لنا فيه.
والحمد لله رب العالمين
منقول ....