نصائح و توجيهات إلى المعلمات التربويات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

أما بعد : هذه بعض النصائح والتوجيهات والملاحظات , أقدمها بين يدي كل معلمة تؤمن بالله واليوم الآخر, وتؤمن بأنه لا معنى لتعليم بدون تربية , وبأنها تعبد الله وتطيعه من خلال التربية والتعليم كما تعبده سبحانه وتعالى بالصلاة والصيام . أقدمها لأخواتي القائمات على قطاع التربية والتعليم سواء في المدارس الأساسية أو الثانوية .
وليس شرطا أن تطبق كلَّ ما ذُكر في هذه الرسالة من نصائح وتوجيهات , و إنما تجتهد من أجل تطبيق ما تقتنع به ثم ما تستطيعه من ذلك .

يخطئ من يظن أن مهنة التدريس هي مهنة المتاعب ، فمن عشقها وأتقن فنها نجح فيها وأفلح .. ومن شروط النجاح أن تمتلك المعلمة الكفاءة التي لا تشمل فقط الجانب التخصصي بل تشمل أيضاً الجانب التربوي الذي يندرج تحته أسلوب المعلمة وشخصيتها وفهمها لواجباتها و إدراكها لخصائص التعامل في المدرسة سواء مع الإدارة أو الطلبة أو أولياء الأمور أو حتى مع تحضيرها و إعدادها للدروس . لذلك أقول لمن تتعثر في تدريسها من خلال تجربتي المتواضعة في حقل التعليم في عدة مدارس أن تنتبه لهذه النصائح و التوجيهات التي سأدرجها وما أكتبها إملاء وفرضاً بل نصحاً أبتغي به الخير من منطلق الواجب والأخوة ·

بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل

الإعداد و التحضير للدروس

قومي بإعداد درسك إعداداً جيداً ، فالمعلمة المتمكنة أقدر على ضبط الصف وشد انتباه الطلبة وإثارة اهتمامهم واستقطاب تفكيرهم ، ولكي تعد درسك جيداً لابد من الاطلاع – بالإضافة إلى الكتاب المقرر – على المراجع الأصلية والتوسع في الموضوع وهضم المادة واختيار الأمثلة والتشبيهات المناسبة ، وكل ما يساهم في ربط المادة بالحياة ، واختيار الوسائل التعليمية المناسبة التي تضفي على الدرس القوة والحيوية .

احرصي على أن توزع الزمن على أجزاء الدرس المختلفة حتى لا ينتهي الدرس قبل فترة طويلة من نهاية الحصة ؛ فلا تدري ما تقولي وما تفعلي في الجزء المتبقي من الحصة ، فترتبك وتكثر أخطاؤك ويبدأ الهرج والمرج والفوضى والاضطراب .

عند تحضير الدرس ، حاولي أن تخمني المشكلات والصعوبات التي يحتمل أن تواجهيها أثناء التدريس ، إن الحدس الجيد هو من السمات التي يجب أن تتحلى بها المعلمة القديرة .

لا تنغمسي في موضوع الدرس بحيث تنسي أنك تدرسي بشراً ، ولذلك فإننا ننصح المعلمة بأن تجعل الفواصل المنشطة تتخلل درسها ، لأن العقل المجهد المتعب لا يستطيع التركيز ، مما يعوق الانتباه ويحول دون الفهم ، فلا بد من ترويح القلوب ساعة بعد ساعة ، لأنها إذا كلت عميت ، والمعلمة القديرة هي التي تفسح المجال في خطة الدرس لإشباع نشاط الطلبة في أمر مفيد يستنفذ طاقاتهم الحيوية في أشياء مقبولة سلوكياً ومفيدة للطلبة ؛ فبدلاً من أن يقوم الطلبة بالتنفيث عن أنفسهم بالحركة والكلام والمشاغبة ، وإثارة الفوضى ، فإن المعلمة مطالبة بان تكون هناك فواصل منشطة ؛ لأن الدرس الذي يسير على وتيرة واحدة درس ثقيل على النفس ، مما يؤثر سلبياً على انتباه الطلبة .

التقويم في نهاية الحصة ضروري لمعرفة مدى نجاح الدرس . وكذلك التقويم المستمر الذي يواكب تقدم التلاميذ ومدى استفادتهم من الدروس التعليمية .

لا تلجئ إلى الطريقة الإلقائية إلا عندما لا تجد طريقة أخرى لعرض المادة أفضل منها ؛ لأن الإلقاء الطويل يؤدي إلى انصراف الطلبة عن الدرس ويدفعهم إلى المشاغبة والخروج على النظام ، أما إذا اضطررت إلى استخدام الطريقة الإلقائية ، فيجب أن تراعي استخدام الوسائل التعليمية المناسبة ، واستخدم التلميحات غير اللفظية ، كالإشارات والإيماءات وتعبيرات الوجه واستعمال طبقات الصوت ونبراته في تمثيل المعاني والمشاعر والأحاسيس المختلفة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه يستحسن أن تقوم المعلمة بالتنويع بين استعمال الإلقاء والمناقشة بين الحين والآخر .

التخطيط للدروس

التخطيط بصفة عامة أسلوب علمي تتخذ بمقتضاه التدابير العملية لتحقيق أهداف معينة مستقبلية والتخطيط يعد من أهم العمليات في عملية التدريس ، و الذي تقوم به المدرسة قبل مواجهة تلاميذها في الفصل ، حيث تقوم بصياغة مخطط عمل لتنفيذ التدريس ، سواء أكان طوال السنة أو لنصف السنة أم لشهر أو ليوم ، وترجع أهمية التخطيط للدرس على أن هذا التخطيط المسبق للدرس أو المقرر الدراسي ، ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على سلوك المدرسة في الفصل أو أمام تلاميذها فشتان ما بين أستاذة تدخل الفصل دون أدنى تخطيط أو تحضير للدرس ، وأستاذة أعدت وحضرت الدرس ، فنجد الأولى تتخبط بين الأفكار ، و بالتالي يشوش على فكر مستقبليها ، وهم التلاميذ ، أما الثانية فنجد أنها يلقي درسها بكل سلاسة ، وتربط بين الأفكار نتيجة التخطيط المسبق الذي قامت به ، ومن ثم تجد طلابها مدركين لما تقول في الغالب .

على المعلمة أن تعتمد على خطط مفصلة ، حيث أنها لا تستطيع أن تتحكم في الأفكار التي تطرأ على ذهنها ، وذلك ضماناً لعدم الشرود أثناء التدريس .

يجب أن تراعي المعلمة في خطة الدرس عنصر الزمن ، بمعنى أن خطة الدرس يجب أن تعطى أنشطة أو مواد كافية لتغطية كل زمن الحصة ، كذلك أن تكتب في خطة الدرس الزمن اللازم لكل نشاط أو إجراء وذلك لتحقيق الضبط والفعالية في التدريس .

يجب أن تتسم خطة الدرس بالمرونة ، وكذلك يجب أن تراعى الخطة الظروف التي قد تحدث في أثناء التدريس ، وتحول دون إكمالها مثل اجتماع طارئ لمجلس المدرسة .

عملية التخطيط يجب أن تكون مستمرة ، حيث أشرنا إلى وجوب اعتماد المعلمة الخبيرة على التخطيط المفصل ، مثلها في ذلك مثل المعلمة المبتدئة ، لتحقيق المرونة ، ومواكبة التغيير ، وعدم التضحية بفعالية التدريس ، و بالتالي استمرارية عملية التخطيط .

التخطيط للدرس له أهمية : يجعل عملية التدريس متقنة الأدوار وفق خطوات محددة منظمة ومترابطة الأجزاء وخالية من الارتجالية والعشوائية محققة للأهداف الجزئية . و يجنب المعلمة الكثير من المواقف الطارئة المحرجة . و يسهم في نمو خبرات المعلمة المعرفية أو المهارية . و يساعد على رسم وتحديد أفضل الإجراءات المناسبة لتنفيذ الدروس وتقويمها . و يعين على الاستفادة من زمن الدرس بالصورة الأمثل . و يسهم التخطيط في التعرف على مفردات المقررات الدراسية وتحديد جوانب القوة والضعف فيها ، وتقديم المقترحات لتحسينها . و يعين المعلمة على التعرف على الأهداف العامة والخاصة وكيفية تحقيقها. و يساعد المعلمة على اختيار وسيلة التعليم المناسبة وإعدادها .

على المعلمة الرجوع و الاستعانة بالمعلمات و المعلمين الذين لهم الخبرة الطويلة في مجال التعليم التربوي , و الأخذ بمقترحاتهم , لأنهم لهم تجربة في هذا المجال .

ضبط النظام في الصف

إن قيام المعلمة بعملها بإخلاص وتفانيها في أدائها وشعور الطلبة بذلك يعد من أهم الأسباب وأفضل الشروط للانضباط الذاتي .. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ليس هناك قاعدة ذهبية لحفظ النظام ، لأن ما ينفع في حالة قد يضر في حالة أخرى ، حيث أن القدرة على ضبط النظام والهيمنة على التلاميذ وتوجيه دفة الدرس كما تريد المعلمة شيء موهوب ، ولكن مع ذلك يمكن أن نصل إليه بالتدريب في مواقف تعليمية مختلفة .

عند أول لقاء مع الطلبة عرفيهم على نفسك بإيجاز وأخبريهم باختصار شيئاً عن نفسك دون مغالاة أو مبالغة أو تعال عليهم ، واكتبي اسمك على السبورة بوضوح وعرفهم كيف ينادون اسمك . و أحفظ أسماء الطلبة بأسرع ما يمكن ؛ لأن ذلك أمر حيوي وضروري حتى لا تضطري إلى الإشارة إلى المكان الذي تجلس فيه الطالبة ، وكل واحدة تقول أنا ، أنا ، أنا حتى ولو كانت الإشارة واضحة , فهذه فرصة ذهبية للمشاغبة و إثارة الفوضى .

لا تبدئي عملاً قبل أن يسود النظام تماماً في صفك ، أي لا تبدئي في التدريس قبل أن يهدأ الجميع ، وينتبه إليك كافة الطلبة . و إذا دخلت الصف والفوضى سائدة ، فلا تغضبي ، وإنما اتخذي مكاناً مناسباً بحيث تري ويراك جميع الطالبات ثم تجول بنظرك بين جميع الطالبات وتفرسي في وجوه من أثار الفوضى ، ونادي إحداهن حتى تضمن أنهن قد أحسوا بدخولك ووجودك بينهن .

حاولي قدر الإمكان عدم الجلوس ؛ حتى لا تحدث الفوضى في الصف . و حاولي إيقاف الطلبة المشاغبين عند حدهم حتى لا يفسدوا عليك الجو الدراسي ، وذلك باستعمال الأسلوب المناسب حسب ما تقتضيه الظروف ، فلكل حالة أسلوبها الخاص وطريقتها المناسبة ، مثل بعض الطلبة قد يرتدع بمجرد النظر إليه . و البعض بالنظرة القاسية . و البعض من يتّعظ بالعتاب . و البعض من لا يرتدع إلا بالعقاب : بدءاً من التوقيف في مكانه في الصف ، أو التوقيف أمام زملائه ووجه للحائط ، مروراً بطرده وحرمانه من الحصة وإرساله للمشرف الاجتماعي أو مدير المدرسة – وهذه الخطوة لا تقدم عليها إلا إذا ضاقت عليك السبل .

يجب على المعلمة إشاعة روح المحبة والمودة والألفة والوئام بينه وبين الطلبة ، وهذا من شأنه إزالة التوتر والخوف العصبي والانقباض العقلي ، ويشيع في الصف الشعور الفياض بالسعادة الغامرة ؛ لأن حب المعلمة يستدعي بالضرورة حب المادة التي تعلمها ، والمحبة أساس النجاح والتوفيق في أي عمل .

عودي الطلبة الاستئذان عند طلب الجواب ، ورفع اليد في هدوء وعدم قول أنا .. أنا .. أنا ، وعدم مقاطعة المعلمة قبل أن تنتهي من إلقاء السؤال ؛ لأن الاستئذان أمر ضروري يجب أن يتعوده الطلبة حتى لا تحصل الفوضى.

لا تنصرف إلى جانب معين من الصف بالنظر أو السؤال أو الحديث أو الاهتمام ؛ لأن ذلك مدعاة إلى أن ينصرف بقية الطلبة عن درسك إلى ما يشبع اهتمامهم ورغباتهم , بل انقلي نظرك بين الطلبة حتى يشعر كل واحد بأنه موضع اهتمامك وعطفك وعنايتك ورعايتك ومراقبتك ، وتفرس في وجوههم حتى يشعر كل واحد منهم إنه معرض للسؤال أو القراءة أو الخروج إلى السبورة أو القيام بعمل ما في أي لحظة من لحظات الدرس ، و حدقي في أعينهم حتى يشعروا بأنهم مراقبين ؛ مما يدفعهم إلى عدم الإخلال بالنظام والخروج عن آداب السلوك .

لا تنشغلي عن الطلبة بأمور ثانوية ، كأن تكلمي أحداً في الخارج أو تقرئي في جريدة أو مجلة دون داع ، أو أن تراجعي موضوع الدرس من الكتاب أو من دفتر التحضير ، أو تطيلي عتاب المتأخرين أو عقاب المقصرين أو المشاغبين ، تاركةً الطلبة دون عمل محدد ينشغلون به .

لا تطردي الطلبة خارج الصف ، لأن ذلك دليل على عجزك عن حل المشكلة ، إن الغرض من العقاب السعي إلى ما فيه مصلحة الطلبة ، وإن حرمان الطالبة من الدرس معناه تضييع الفرصة عليها للتعليم ، ومن جهة أخرى فإن بعض الطلبة قد يقومون بالمشاغبة لكي يطردوا من الصف في بعض الأحيان ، لكي يتمكنوا من الذهاب للفناء للعب ، أو علي الأقل حتى يرتاحوا من درس لا يحبونه أو من معلمة ثقيلة على أنفسهم لا يودون رؤيتها أو سماع صوتها.

يجب أن تتحلى بالصبر والأناة والتأني وضبط النفس ؛ لأن المعلمة العصبية التي تثور لأتفه الأسباب تشقي نفسها ، وتكون فرجة للطلبة الذين يتلذذون بمنظرها وهي تثور وترغي وتزبد ، وتضرب الأرض برجليها وتصل بصوتها إلى خارج الصف . و تحلي بالعفو والتسامح ، وقدمي حسن الظن وتلمسي الأعذار ، فهذا من شأنه كسب مودة الطلبة . و كوني عادلةً في تعاملك مع الطلبة ، فلا تفرق بين صغير وكبير وأسود وأبيض ، ولا تميز بين غني وفقير ، وقبيح ووسيم وقذر ونظيف ، فالعدل في المعاملة أساس التقارب بينك وبين الطلبة حتى لا تثير سخط بعض الطلبة وتذمرهم ، مما يؤدي إلى انفعالهم وعقوقهم وحقدهم.

اكتسبي ثقة الطلبة ، وذلك بالتحدث إليهم ونصحهم خارج الصف ، لأن النصيحة مهما كانت وممن كانت لا بد أن تتم انفرادياً ، فالنصح العلني نوع من التوبيخ والعقاب والتقريع .

عليك بالإخلاص في العمل ، وهذا ما يجعل الطلبة يقدرونك ويهتمون بالدروس التي تلقيها ، ويثقون في ما تقوليه ويكونون آذاناً صاغية وقلوباً متفتحة ، وينقادون لك طائعين مختارين لشعورهم بأنك أم مربية لهم فلا يظهر منهم ما يخل بآداب السلوك .

الخاتمة

يجب أن تسعى المعلمة دائماً للنمو المهني والتطور والتجديد في مجال الاطلاع على خبرات المهنة الحديثة والمتجددة كما يجدر بها ويتطلب منها أن تعي الأساليب والتقنيات الحديثة لتقوم بنقل الخبرات المتطورة إلى طلابها بشكل فعال وإيجابي ، كما يطلب منها أن تكون عصريةً في توظيف تكنولوجيا التعلم والتعليم المبرمج والأجهزة الإلكترونية الأخرى، ومتجددةً ومسايرةً لروح العصر في أساليبه ومهاراته التعليمية لتستطيع بالتالي من المساهمة الفعالة في تحقيق الأهداف السلوكية التربوية المرجوة .

إن مهنة المعلمة هي مهنة جديرة بالتقدير فكيف لا يكون ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما بعثت معلماً " فالمعلمة مربية أجيال وناقل ثقافة مجتمع من جيل الراشدين إلى جيل الناشئين كما أن وظيفتها وظيفة سامية ومقدسة تحدث عنها الرسل والأنبياء و رجال الدين والفلاسفة على مر العصور والأجيال .

و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

حرر بتاريخ 2 ذو القعدة 1433هـ الموافق 18 / 10 / 2012م

بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل

» نصائح للمعلمين الجدد