بيان الإدانة و الاستنكار على ما حصل من نهي الناس من التهليل و الأذان على الميت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد : فإنا نستنكر ما حصل من بعض الدعاة من الإنكار على الناس عند ذكرهم التهليل عند دفن الميت و الأذن والإقامة عند إنزال الميت القبر, فإن المنكر حجّر على الناس فعل الخير و تهمهم بالبدعة و لم يحترم أقوال العلماء في ذلك , و من هذا المنطلق نبين و نوضح أقوال العلماء و أهل العلم فيما يلي :
أولاً مسألة التهليل و الذكر :
لقد أفتى كثير من العلماء بجواز الذكر و التهليل بالجهر في الجنائز طبقا للخشوع وذكر الله تعالى ومنعا للناس من الاشتغال بذكر أمور الدنيا والضحك واللهو ، وغير ذلك مما يشاهد في الجنائز التي لا يجهر فيها بالذكر ، والذكر عندهم في هذا المقام مطلوب لفضائله وفوائده الجمة ، ولأنه شفاعة للميت ودعاء له بالمغفرة والرحمة ، وقد سئل الإمام ابن حجر عن الذين يحملون الأموات إلى قبورهم ، هل يذكرون الله جهرا ، مثل لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فأجاب : كل ذلك محمود ، ومن قال بدعة ، فمراده البدعة الجائزة لا المحرمة ولا المكروهة . و شاع في كثير من البلدان ، أنهم يحملون الجنائز بذكر الله عز وجل والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ويحضرها العلماء المرجوع إليهم في الفتيا ، والمعتمد عليهم في الاجتهاد ، فلا يسمع من أحد منهم نكير ولا يفتي عالم من علمائهم في شيء من ذلك بتغيير ، و كما هو عليه العمل في كثير من مناطق حضرموت من زمن طويل و العلماء يشهدون ذلك و يقرونه . و إنما الإشكال فيما قرأ و سمع عن بعض العلماء المتحجرين , فأنكر حسب ما فقه منهم و لم يكن من أهل العلم الملمين بمسائل الفقه فهو في هذا الموقف معذور .
ثانياً مسألة الأذان و الإقامة عند إنزال الميّت القبر:
شرع الأذان أصلاً للإعلام بالصّلاة ، إلاّ أنّه قد يسنّ الأذان لغير الصّلاة تبرّكاً واستئناساً أو إزالةً لهمّ طارئ والّذين توسّعوا في ذكر ذلك هم فقهاء الشّافعيّة فقالوا : يسنّ الأذان في أذن المولود حين يولد ، وفي أذن المهموم فإنّه يزيل الهمّ ، وخلف المسافر ، ووقت الحريق ، وعند مزدحم الجيش ، وعند تغوّل الغيلان ( انتشار الشياطين ) وعند الضّلال في السّفر ( أي لمن ضل الطريق )، وللمصروع ، والغضبان ، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة ، وعند إنزال الميّت القبر قياساً على أوّل خروجه إلى الدّنيا . وقد رويت في ذلك بعض الأحاديث منها ما روى أبو رافع : « رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة » . كذلك روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من ولد له مولود فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضرّه أمّ الصّبيان » ( نوع من الشياطين ) . وروى أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ الشّيطان إذا نودي بالصّلاة أدبر » ... إلخ .
فإذا كان قد قال بعض الفقهاء بسنية الأذان و الإقامة و يعمل به كثير من الناس , و هناك من يقول بعدم السنية لكنه يجوز ذلك من باب المباح و يحترم رأي الآخرين . لكن المصيبة فيمن يتعصب و يبدع ذلك و لا يحترم رأي الآخرين , فمسألة الترك وعدم العمل لو سلمنا به ليس بدليل، فالدليل هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره، والترك ليس بحجة، كيف وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما تركته فهو عفوٌ)) أي جائز، نص الحديث: قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أحل الله فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفوٌ، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً)) أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن. وروى الترمذي وابن ماجة من حديث سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه))، وللحديث طرق أخرى. وهذا كما لا يخفى مؤيد لدليل الأصل وهو الجواز.
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .