الدرس الأول
نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هو رسول الله إلى الناس أجمعين , جاء بالدين الإسلامي , و هو عربي قرشي عدناني .
أبوه عبدالله بن عبدالمطلب , و أمه آمنة بنت وهب , يلتقي نسبهما في جده الخامس , مات أبوه و هو في بطن أمه , ولد بمكة عام الفيل , و أرضعته ثويبة الأسلمية ثم حليمة السعدية , توفيت أمه و عمره ست سنوات , و دفنت بالأبواء فحضنته أم أيمن خادمة أبيه .
الدرس الثاني
تربيته
ربَّاه بعد أمه جده عبدالمطلب , و توفي جده و عمره ثمان سنوات , فكفله عمه أبو طالب .
كان في صغره يرعى الغنم لأهل مكة , و سافر إلى الشام مع عمه و هو ابن تسع أو ابن ثلاث عشر , و رآه الراهب بحيرى و عرف فيه علامات النبوة .
الدرس الثالث
سفره إلى الشام و زواجه بخديجة
سافر إلى الشام مرة ثانية و عمره خمس و عشرون سنة في تجارة للسيدة خديجة , و هي سيدة ذات غنى و شرف , و كان معه غلامها ميسرة .
بعد رجوعه بشهرين تزوج بالسيدة خديجة و كان عمرها أربعين سنة . و لبث معه صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين سنة .
الدرس الرابع
اشتراكه في بناء الكعبة
في الخامس و الثلاثين من عمره هدمت قريش الكعبة و جددت بناءها
و قد اشترك معهم صلى الله عليه و سلم في بنائها, و كان يحمل الحجارة مع أشراف قريش و معه عمه العباس . و اختلفت قريش فيمن يضع الحجر الأسود مكانه , فحكم بينهم فزال الخلاف بحكمه .
الدرس الخامس
نشأته
اشتهر بين قومه بجميع الخصال المحمودة كالصدق و الأمانة و الحلم والحياء و التواضع , حتى لقبوه بالأمين , و كان قومه وعشيرته يحبونه حباً عظيماً و يحترمونه احتراماً زائداً .
و حينما قارب الأربعين من عمره أحب العزلة, و كان يتعبد في غار حراء على دين إبراهيم عليه السلام . الدرس السادس
بعثته صلى الله عليه و سلم
لما بلغ الأربعين من عمره صلى الله عليه و سلم بعثه الله رحمة للعالمين , و قد بدأ الوحي بالرؤيا الصادقة ثم نزل عليه جبريل و هو يتعبد في غار حراء , و علمه كيف يهدي الناس الصراط المستقيم . فبدأ بالدعوة سراً , فكان أول من آمن به السيدة خديجة , و أبو بكر , و علي بن أبي طالب , و زيد بن حارثة .
الدرس السابع
الدعوة جهراً و جمعه لعشيرته
استمرت الدعوة السرية ثلاث سنوات و بعد ذلك أُمر صلى الله عليه و سلم بالجهر , فجمع قومه و أنذرهم عذاب يوم الآخرة , و لما نزل عليه قوله تعالى : { و أنذر عشيرتك الأقربين } جمع أهله و أقاربه وبلغهم رسالة ربه , فرد عليه عمه أبو لهب رداً قبيحاً , و طلب من قومه القبض عليه , فقال له أبو طالب : و الله لنمنعنَّه ما بقينا .
الدرس الثامن
تعصب قريش على النبي صلى الله عليه و سلم
فلمَّا دعاهم صلى الله عليه و سلم إلى عبادة الله وحده و ترك ما هم عليه غضبوا عليه و تبدل حبهم له بغضاً و تصديقه تكذيباً . و لمَّا سبَّ آلهتهم وضلل آباءهم مشوا إلى عمه , أولاً و ثانياً و ثالثاً , و كان في كل مرةٍ يردهم رداً جميلاً . و قد طلب منه عمه بعد مجيئهم الأخير أن يمتنع عنهم فأبى الرسول صلى الله عليه و سلم و استمرَّ في نشر الدين و عمه مدافع عنه .
الدرس التاسع
إيذاء قريش للرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه
فلما رأت قريش من الرسول صلى الله عليه و سلم الاستمرار في نشر الدين أخذت تؤذيه و تسخر به فكان يقابلهم بالحلم و الصبر و العفو , ثم تعدى الأذى إلى أصحابه , فأخذت كل قبيلة تعذب من أسلم منها بالحبس و الضرب و الجوع و العطش حتى صار الواحد منهم لا يستطيع الجلوس و لا يدري ما يقول من شدة العذاب , و ممن عذبوا بلال و عمار بن ياسر .
الدرس العاشر
هجرة الحبشة الأولى
لما رأى النبي صلى الله عليه و سلم ما يلحق بأصحابه من الأذى و أنواع العذاب أمرهم بالهجرة إلى الحبشة , فهاجر عشرة رجال و خمس نساء , و رجعوا بعد ثلاثة أشهر , و كان ذلك في السنة الخامسة من النبوة و هي أول هجرة في الإسلام . و قد أسلم في ذلك الوقت حمزة عمَّ النبي صلى الله عليه و سلم , و عمر بن الخطاب .
الدرس الحادي عشر
حصار النبي صلى الله عليه و سلم و أهل بيته
في السنة السابعة من الهجرة حاصرته قريش و أهل بيته في الشعب , و اتفقوا على مقاطعتهم أو يسلموا محمداً للقتل , و قد كتبوا بذلك صحيفة علقوها في الكعبة , و بعد دخول النبي صلى الله عليه و سلم الحصار أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فهاجر ثلاثة و سبعون رجلاً و إحدى عشرة امرأة .
الدرس الثاني عشر
خروج النبي صلى الله عليه و سلم من الحصار
و وفاة خديجة و عمه و هجرة إلى الطائف
في السنة العاشرة من النبوة قام رجال من قريش بنقض الصحيفة , فنقضت و خرج النبي صلى الله عليه و سلم و من معه من الحصار , بعد أن قضوا ثلاث سنوات في الشعب , لا يصل إليهم الأكل إلا خفية . و في هذه السنة توفيت السيدة خديجة و عمه أبو طالب , و بعد وفاتهما اشتد عليه أذى قريش فهاجر إلى الطائف و قصد بني ثقيف , فأقام بينهم شهراً يدعوهم فلم يجيبوه و آذوه و رموه بالحجارة , فرجع إلى مكة .
الدرس الثالث عشر
دعوة القبائل إلى الدين
ظل الرسول صلى الله عليه و سلم عشر سنوات يدعو قريشاً إلى الدين , باللين و الرفق فلما رأى شدة عنادهم , و تعصبهم عليه , و منعهم , خرج في السنة الحادية عشر من النبوة إلى القبائل في أسواقهم . و صار يدعوهم إلى الدين , فكان منهم من يرد رداً قبيحاً , و منهم من يرد رداً حسناً . و كان من أقبحهم رداً بنو حنيفة : جماعة مسيلمة الكذاب .
و في هذه السنة قدم مكة ستة نفر من عرب المدينة للحج , فدعاهم النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام و إلى معاونته في تبليغ رسالة ربه , فآمنوا به و صدقوه و قالوا فيما بينهم : ( و الله إنه النبي الذي تعدنا به اليهود فلا يسبقونا إليه ) . و لما رجعوا إلى بلادهم ذكروا لقومهم ذكر الرسول صلى الله عليه و سلم , و دعوهم إلى الإسلام , فانتشر ذكره صلى الله عليه و سلم في المدنية , و هذا هو بدء إسلام عرب المدينة .
الدرس الرابع عشر
بيعة العقبة الأولى
في السنة الثانية عشر من النبوة قدم اثنا عشر رجلاً من عرب المدينة , فاجتمعوا بالرسول صلى الله عليه و سلم عند العقبة الأولى , و بايعوا على الإسلام بشروط , على أن لا يشركوا بالله شيئاً و لا يسرقوا و لا يزنوا و لا يقتلوا أولادهم و لا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم و أرجلهم و لا يعصوا في معروف , فإن أوفوا فلهم الجنة , و إن أصابوا من ذلك شيئاً , فأمرهم إلى الله : إن شاء غفر , و إن شاء عذّب . و لما رجعوا إلى بلادهم أرسل معهم الرسول صلى الله عليه و سلم من بعلمهم الإسلام , و يفقهم في الدين , فانتشر الإسلام بسببهم , حتى لم يبق بيت من بيوت المدينة إلا و فيه ذكر الإسلام .
الدرس الخامس عشر
بيعة العقبة الثانية
في السنة الثالثة عشر من النبوة و فد على الرسول صلى الله عليه و سلم ثلاثة و سبعون رجلاً و امرأتان من عرب المدينة , فبايعوا الرسول صلى الله عليه و سلم عند العقبة الثانية على أن يعبدوا الله و لا يشركوا به شيئاً و أن يمنعوا الرسول صلى الله عليه و سلم إذا هاجر إليهم . ثمّ أخرجوا اثني عشر نقيباً منهم , فقال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم : أنتم وكلاء على قومكم بما فيهم , كُفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم , و أنا كفيلٌ على قومي . فرجعوا إلى المدينة , فانتشر الإسلام فيها أكثر من المرة الأولى .
الدرس السادس عشر
هجرة المسلمين إلى المدينة
لمَّا علمت قريش بانتشار الإسلام في المدينة شدَّدت الأذى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأمرهم بالهجرة إلى المدينة و اللحاق بإخوانهم الأنصار . و خرجوا من مكة خفية خوفاً من أن تمنعهم قريش من الهجرة , فكانوا يتسللون واحداً بعد واحد . و أراد أبو بكر أن يهاجر فمنعه الرسول صلى الله عليه و سلم فبقي معه بمكة . و لما رأت قريش أن الرسول صلى الله عليه و سلم صار له أصحاب و أنصار يدافعون عنه و ينشرون دعوته صمَّموا على قتله , واتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة شاباً و يجتمعوا أمام داره فإذا خرج ضربوه ضربة رجا واحد , ليتفرق دمه في القبائل فلا يقدر أقاربه على محاربة العرب كلهم . و لكن الله أعلم النبي صلى الله عليه و سلم بما اتفقت عليه قريش , و أمره بالهجرة إلى المدينة .
الدرس السابع عشر
هجرة النبي صلى الله عليه و سلم
توجه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى أبي بكر الصديق , و أعلمه بأمر الله له , فسأله أبو بكر الصحبة , فقال : نعم . ثم هيَّا راحلتين لسفرهما و أعطياهما لدليل ماهر , و أمراه أن يجيء بهما ثلاث ليالٍ إلى غار ثور . ففي الليلة التي عزم فيها على الخروج من بيته التفَّ شبَّان قريش حول داره , و رسول الله صلى الله عليه و سلم بداخله . فلما جاء وقت الخروج أمر الرسول صلى الله عليه و سلم ابن عمَّه عليًّا بالنوم على فراشه ليظنوا أنه ما زال ببيته , و أمره أن يردَّ أمانات الناس إلى أهلها . ثم خرج على أعدائه , فألقى الله النوم عليهم , فلم يره أحد , ثم تقابل مع أبي بكر , و سارا حتى و صلا غار ثور , واختبآ فيه .
الدرس الثامن عشر
طلب قريش رسول الله صلى الله عليه و سلم
لمَّا صحت قريش تلك الليلة و لم تجد في بيت الرسول صلى الله عليه و سلم إلا ابن عمَّه عليًّا اشتدَّ حنقهم , فأرسلوا شبَّانهم بالسيوف تبحث عن الرسول صلى الله عليه و سلم في كل جهة . و قد جعلوا لمن يأتيهم به أو يدلهم عليه مائة ناقة جائزة . و قد وصلوا في البحث عنه إلى الغار , بحيث لو نظر أحدهم فيه لرأى الرسول صلى الله عليه و سلم و صاحبه . و رآهم أبو بكر فبكى , فقال له الرسول صلى الله عليه و سلم : (( لا تحزن إن الله معنا )) . فأعمى الله أبصار المشركين و رجعوا خائبين .
الدرس التاسع عشر
خروج الرسول صلى الله عليه و سلم من الغار
بعد أن انقطع البحث عن الرسول صلى الله عليه و سلم خرج مع صاحبه , و قد أقاما في الغار ثلاث ليالٍ . و كان عبدالله بن أبي بكر يأتيهما في المساء , و كان يصبح بمكة كأنه نائم بها فإذا سمع من قريش خبراً من جهة الرسول صلى الله عليه و سلم و صحبه جاء إليهما ليلاً و أخبرهما به و بات عندهما , و كانت أخته أسماء تأتيهما بالطعام خفية , خوفاً من قريش . و لما جاءهما الدليل بالراحلتين في صباح اليوم الثالث ركبا و سارا , قاصدَين المدينة , و لقد لحق بهم في الطريق سراقة , و كان قد سمع بالجائزة التي جعلتها قريش لمن يأتيهم بمحمد , و أراد أن يقتل الرسول صلى الله عليه و سلم ففشل .
الدرس العشرون
نزول الرسول صلى الله عليه و سلم
بقباء و توجه إلى المدينة
وصل الرسول صلى الله عليه و سلم قُباء في اليوم الثاني من ربيع الأول الموافق 30 من سبتمبر سنة 622م , بعد أن مكث ثلاث عشرة سنة مضيقاً عليه في مكة , ممنوعاً من الجهر بالدعوة . و قد أقام اثنتين و عشرون ليلةً بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار آمناً مطمئناً . و قد بنى في تلك المدة مسجد قُباء , الذي وصفه الله بأنه ( مسجد أسس على التقوى ) . و لمَّا خرج الرسول صلى الله عليه و سلم من قُباء قاصداً المدينة , أحاطت به الأنصار , و هم متقلدون سيوفهم , فرحين مستبشرين . و قد أدركته الجمعة في الطريق فصلاها بمن معه من المسلمين , و هذه أول جمعة و خطبتها أول خطبة في الإسلام . و خرج لملاقاته أهل المدينة و معهم النساء و الصبيان و الولائد يقلن :
طـلع الـبدر علينا من ثنيات الوداعِ
وجـب الشكر علينا مـا دعا لله داعِ
أيـها المبعوث فـينا جئت بالأمر المطاع
الدرس الحادي و العشرون
دخول الرسول صلى الله عليه و سلم المدينة
لمَّا دخل النبي صلى الله عليه و سلم المدينة كان لا يمر ببيت من بيوت الأنصار إلا سألوه أن ينزل عندهم و كانوا يأخذون بزمام الناقة , فيقول : دعوها فإنها مأمورة و لم تزل سائرة حتى بركت أمام دار أبي أيوب الأنصاري , فنزل عنده في الدور الأسفل ليكون أرفق بزائريه , و لكن لم يرض أبو أيوب بذلك كرامة لرسول الله صلى الله عليه و سلم , و كان يستعطفه حتى انتقل إلى الطبقة العليا . و قد كان الأنصار يحبون من هاجر إليهم , و يؤثرونهم على أنفسهم , حتى إنهم تنازعوا في نُزولهم فحكموا القرعة بينهم , فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بالقرعة . ثم إن الرسول صلى الله عليه و سلم آخى بينهم أخوة إسلامية , ألفت قلوبهم و جعلتها كالشيء الواحد , و دام هذا الإخاء إلى أن أنزل الله سبحانه و تعالى : { وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
الدرس الثاني و العشرون
هجرة آل البيت و منع المستضعفين
لمَّا استقر الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة , أرسل زيد بن حارثة و أبا رافع إلى مكة في طلب من تخلف من أهله , فخرج معهم عبدالله بن أبي بكر . و قد منع مشركو مكة بعض المستضعفين من السفر , و عذبوهم عذاباً أليماً منهم الوليد بن الوليد و عيَّاش بن أبي ربيعة و هشام بن العاص , فكان الرسول صلى الله عليه و سلم يدعو لهم في وتر العشاء و صلاة الصبح بعد الركوع و قبله . و أصاب كثيراً من المهاجرين حُمَّى , لأن هواء المدينة لم يكن موافقاً لهم في أول الأمر , فدعا الرسول صلى الله عليه و سلم ربه بنقلها , فاستجاب الله دعاءه , و عاش المهاجرون في المدينة بسلام .
و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .